النكاف (Mumps): مرض أبو كعب وأبو دغيم

النكاف، المعروف شعبياً بأسماء مثل “أبو كعب” أو “أبو دغيم”، هو مرض فيروسي معدٍ يصيب بشكل رئيسي الغدد اللعابية، وبالتحديد الغدد النكافية التي تقع على جانبي الوجه تحت الأذنين. يعد النكاف من الأمراض الشائعة التي كانت تسبب مشاكل صحية كبيرة قبل انتشار التطعيمات، وقد أثبتت الدراسات أن النكاف لا يزال يشكل تحدياً صحياً في بعض المناطق التي تفتقر إلى التغطية اللقاحية الكاملة أو في حالات انتكاس التلقيح.

التعريف بالنكاف وأسبابه

النكاف هو التهاب فيروسي معدٍ تسببه فيروس النكاف من عائلة الفيروسات المخاطية (Paramyxovirus). ينتقل الفيروس بسهولة من شخص لآخر عبر الرذاذ التنفسي (كالعطس أو السعال) أو من خلال ملامسة الأشياء الملوثة بالفيروس. بعد دخول الفيروس إلى الجسم، يستقر في الغدد اللعابية، ويبدأ بالتكاثر مما يؤدي إلى تورم وألم في الغدد، وهو العرض الأكثر شهرة لهذا المرض.

تكون فترة الحضانة للنكاف عادة من 14 إلى 25 يوماً، حيث لا تظهر أعراض مباشرة، لكن في هذه المرحلة يمكن أن ينتشر الفيروس للآخرين. بعد ذلك تبدأ الأعراض الظاهرة التي تختلف شدتها بين الأفراد، لكنها غالباً ما تشمل تورم الغدد اللعابية، ارتفاع درجة الحرارة، وألم في الفم والفك.

الأعراض التفصيلية للنكاف

تختلف أعراض النكاف باختلاف عمر المصاب وحالته الصحية، لكنها تشمل مجموعة من العلامات التي يمكن تلخيصها كما يلي:

• تورم الغدد النكافية: أكثر العلامات وضوحاً، حيث يظهر انتفاخ مؤلم أسفل الأذن وعلى جانبي الوجه. يمكن أن يستمر التورم من عدة أيام إلى أسبوعين.

• ارتفاع درجة الحرارة: يظهر حمى متوسطة إلى مرتفعة ترافق التهاب الغدد.

• ألم عند المضغ أو البلع: يزداد الألم عند محاولة تناول الطعام أو الشراب.

• التعب العام والصداع: غالباً ما يصاحب المرض شعور بالإرهاق والصداع الخفيف إلى المتوسط.

• التهاب الحلق وألم العضلات: قد تظهر بعض الأعراض التنفسية بسبب العدوى الفيروسية.

• التهاب البنكرياس: في بعض الحالات النادرة، قد يصاب المريض بالتهاب في البنكرياس، مما يسبب ألم في البطن وغثيان.

المضاعفات المحتملة للنكاف

رغم أن النكاف غالباً ما يكون مرضاً ذاتياً ويتعافى الجسم منه دون مشاكل كبيرة، إلا أن هناك مضاعفات خطيرة يمكن أن تحدث، خصوصاً في الحالات التي لا يتم فيها التشخيص المبكر أو الرعاية الصحية المناسبة. من المضاعفات الخطيرة:

• التهاب الخصية (Orchitis): يصيب غالباً الذكور البالغين، ويؤدي إلى تورم وألم شديد في الخصية، وقد يؤدي إلى العقم في بعض الحالات.

• التهاب المبيض: نادر الحدوث في الإناث لكنه ممكن، ويسبب ألمًا في منطقة الحوض.

• التهاب الدماغ (Meningoencephalitis): من أخطر مضاعفات النكاف، إذ يسبب التهاب الأغشية المحيطة بالدماغ ويمكن أن يؤدي إلى مضاعفات عصبية دائمة.

• التهاب الأذن الوسطى: نتيجة لانتقال العدوى إلى الأذن، مما قد يسبب ألم ودوخة.

• التهاب البنكرياس: كما ذُكر سابقاً، يمكن أن يتسبب في ألم بطني حاد ومضاعفات هضمية.

• مضاعفات الحمل: إذا أصيب به الحامل في الثلث الأول من الحمل، قد يؤدي إلى مضاعفات على الجنين.

التشخيص الطبي للنكاف

يتم التشخيص عادة بناءً على الأعراض السريرية والتاريخ المرضي، مع التركيز على تورم الغدد النكافية والحمى. في بعض الحالات، يتم إجراء فحوصات مختبرية لتأكيد الإصابة، مثل:

• تحليل الدم للكشف عن وجود أجسام مضادة لفيروس النكاف.

• فحص مسحة من الحلق أو البول لاكتشاف الفيروس.

• تحاليل التصوير الطبي (في حالات المضاعفات العصبية أو البطنية).

يعد التشخيص المبكر مهماً للحد من انتشار المرض واتخاذ الإجراءات الوقائية والعلاجية اللازمة.

العلاج والرعاية الصحية

لا يوجد علاج محدد يقتل فيروس النكاف، فالعلاج يكون داعماً لتخفيف الأعراض ومساعدة الجسم على مكافحة الفيروس. تتضمن الرعاية الصحية للنكاف:

• الراحة التامة: لتقليل الجهد الجسدي وتعزيز تعافي الجهاز المناعي.

• استخدام مسكنات الألم وخافضات الحرارة: مثل الباراسيتامول أو الإيبوبروفين لتخفيف الألم والحمى.

• تناول السوائل بكثرة: لتعويض ما يفقده الجسم من سوائل بسبب الحمى ومنع الجفاف.

• اتباع نظام غذائي خفيف: مثل الأطعمة اللينة لتجنب ألم المضغ.

• تجنب المضاعفات: مثل حماية الخصيتين عند الذكور المصابين، عن طريق دعمها بشكل جيد.

يجب أن يخضع المريض للمراقبة الطبية الدقيقة خاصة إذا ظهرت علامات المضاعفات.

الوقاية من النكاف

تمثل الوقاية من النكاف أحد أهم الجوانب التي تقلل من خطر الإصابة والانتشار، وهي تعتمد بشكل رئيسي على التلقيح باللقاح المضاد للنكاف، والذي غالباً ما يكون مدمجاً في لقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية (MMR).

• التلقيح المبكر: يعطى اللقاح للأطفال في عمر 12-15 شهرًا، مع جرعة معززة في عمر 4-6 سنوات.

• تغطية التطعيم الشاملة: تساعد في تحقيق مناعة القطيع التي تمنع انتشار الفيروس في المجتمع.

• النظافة الشخصية: غسل اليدين المتكرر وتغطية الفم والأنف عند السعال أو العطس.

• العزل الصحي: عزل المصابين خلال فترة العدوى لمنع انتقال الفيروس إلى الآخرين.

الاهتمام بالتطعيم هو السبيل الأكثر فاعلية للحد من انتشار النكاف، وقد أدى انتشار اللقاحات عالمياً إلى تقليل حالات الإصابة بشكل كبير.

انتشار النكاف ودوره الاجتماعي

في السابق، كان النكاف مرضاً وبائياً يصيب معظم الأطفال في مرحلة الطفولة، ويعتبر من الأمراض الطفولية الشائعة التي تحدث بمعدل مرتفع في المواسم الباردة. إلا أن التحسينات في الرعاية الصحية وظهور لقاحات فعالة خفضت انتشار المرض بشكل ملحوظ.

في المجتمعات التي تفتقر إلى التغطية اللقاحية الكافية أو حيث يكون هناك رفض للتطعيم، يمكن أن تحدث حالات تفشي للنكاف، مما يشكل عبئاً صحياً واقتصادياً. قد تؤدي هذه التفشيات إلى تعطيل المدارس والمؤسسات بسبب المرض وضرورة عزل المصابين.

النكاف في التاريخ والثقافة الشعبية

عرف الناس النكاف منذ قرون، وسماه في بعض الثقافات بأسماء محلية تعبر عن أعراضه الظاهرة مثل “أبو كعب” و”أبو دغيم”؛ حيث تعكس هذه الأسماء التورم الكبير الذي يشبه الكعب أو الدغيم على جانبي الوجه. هذه الأسماء الشعبية تشير إلى وعي مجتمعي واسع بالمرض وطرق التعامل معه.

تغير مفهوم النكاف بعد إدخال اللقاحات، إذ كان سبباً في وفاة ومضاعفات كثيرة في الماضي، واليوم أصبح المرض نادراً في المناطق التي تحظى بتغطية لقاحية عالية، مما يدل على أهمية التقدم الطبي والوقائي في مكافحة الأمراض المعدية.

مقارنة النكاف بأمراض أخرى

النكاف هو واحد من ثلاثة أمراض فيروسية رئيسية يمكن الوقاية منها باللقاح المدمج MMR، إلى جانب الحصبة والحصبة الألمانية. يختلف النكاف عن الحصبة في أعراضه وطرق انتقاله، لكنه يشترك في كونه مرضاً معدياً ينتقل عبر الجهاز التنفسي.

النكاف أقل عدوى من الحصبة لكنه يمكن أن يسبب مضاعفات خطيرة أكثر في بعض الحالات، خاصة عند البالغين. كما أن مقاومته للقاحات جيدة نسبياً، لكنه يتطلب تغطية لقاحية مرتفعة لمنع تفشيه.

الجدول التالي يوضح الفرق بين النكاف والحصبة من حيث الأعراض والمضاعفات:

الخلاصة

النكاف هو مرض فيروسي معدي يصيب الغدد اللعابية بشكل رئيسي ويسبب تورم وألماً قد يصاحبه مضاعفات خطيرة عند بعض الفئات، خاصة البالغين. رغم أنه أصبح نادراً في العديد من دول العالم بفضل التطعيمات، إلا أنه لا يزال يمثل تحدياً صحياً في المناطق التي تفتقر إلى التغطية اللقاحية. التشخيص المبكر، الرعاية الصحية المناسبة، والالتزام بالتطعيمات الوقائية هي أهم الخطوات في الحد من انتشار المرض وحماية الأفراد والمجتمعات. الوعي المجتمعي المستمر بأهمية النظافة والتلقيح يضمن السيطرة على هذا المرض الذي عرفه الإنسان منذ القدم تحت أسماء شعبية متعددة مثل “أبو كعب” و”أبو دغيم”.

المراجع:

1. منظمة الصحة العالمية (WHO) – تقرير الأمراض المعدية واللقاحات، 2023

2. كتاب “الأمراض المعدية في الطب الحديث”، تأليف د. أحمد محمد، 2022